فلسطين دولة مستقلّة ذات سيادة.. من يعترف ومن يُؤجّل؟
طوفان الأقصى، أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأحيت حرب الإبادة التي ينفّذها الاحتلال الإسرائلي في قطاع غزة الدعوات الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، خاصة بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الفارط، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل، داعيا بقية الدول إلى الانضمام لفرنسا.
ولطالما كان الاعتراف الدولي بدولة فلسطين هدفا لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ 1988، حيث دعا زعيم منظمة التحرير ياسر عرفات قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، داعيا أحرار العالم إللاى الاعتراف بها، خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في المنفى في الجزائر. وبعد دقائق، اعترفت الجزائر رسميا بالدولة الفلسطينية المستقلة وقبل نهاية العام استجابت 78 دولة لنداء ياسر عرفات.
أعلن زعيم منظمة التحرير ياسر عرفات "قيام دولة فلسطين" وعاصمتها القدس، خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في المنفى في الجزائر. وبعد دقائق، اعترفت الجزائر رسميا بالدولة الفلسطينية المستقلة.

اتفاقية أوسلو..
اتفاقية أوسلو أو معاهدة أوسلو هو اتفاق سلام وقَّعته منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993، بحضور الرئيس الأمريكي وقتها بيل كلينتون. وسمِّي الاتفاق نسبة إلى العاصمة النرويجية أوسلو التي تمَّت فيها المحادثات التي تمت في عام 1991 وأفرزت هذا الاتفاق.
وفي السنة ذاتها تمّ تأسيس السلطة الفلسطينية كإدارة مؤقَّتة للحُكم الذاتيّ في الأراضي الفلسطينية، إلاّ أنّ فلسطين بقيت دولة غير معترف بها من قِبَل الاحتلال الصهيوني وعديد بلدانِ الاتحاد الأوروبي وأستراليا، مع أن أغلب هذه الدول تدعم 'حلّ الدّولتين لإنهاء الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ'، وفق تصريحاتها الرسمية في أكثر من مناسبة، رغم أنّ هذه البلدان تعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثل الشعب الفلسطيني.

دول تعترف بدولة فلسطين.. من هي؟
على مدى 35 عاما، اعترفت ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، حيث بلغ عددها 146، ووفق إحصاء لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن 14 دولة آخرها فرنسا، قررت الاعتراف بدولة فلسطين بعد بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023.
وفي عام 2024، أعلنت 4 دول من منطقة البحر الكاريبي (جزر البهاما وبربادوس وجامايكا وترينيداد وتوباغو) و5 دول أوروبية (أرمينيا وإسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا) الاعتراف بدولة فلسطين.
وألغت 4 دول اعترافها، أو عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، اثنتان من الكتلة الشرقية السابقة هما المجر وتشيكيا اللتان تعتبران أنّهما لا تعترفان أو لم تعودا تعترفان بدولة فلسطين، كما كانت الحال في عام 1988، تماشيا مع الاعتراف السوفياتي.
أمّا مالطا، فقد كانت قد أعلنت أنّها مستعدّة "للاعتراف بفلسطين" بالاشتراك مع أيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا، في مارس 2024. وكان من المقرّر أن تُتخذ هذه الخطوة حينما تحمل مساهمة إيجابية لحلّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعندما تكون الظروف ملائمة. وبينما أقدمت الدول الثلاث الأخرى على هذه الخطوة بعد بضعة أشهر، لم تُعلن مالطا ذلك رسميا بعد.

خريطة الدول التي تعترف بدولة فلسطين بتاريخ 28 ماي 2024.
واستنادا لبيانات السلطة الفلسطينية، وإعلانات أصدرتها مؤخرا حكومات في العالم اعترفت 146 من إجمالي 193 دولة في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.
وقبل سلوفينيا التي أقر برلمانها في جوان 2024، مرسوما يعترف بدولة فلسطين، اعترفت ثلاث دول أوروبية أخرى هي إسبانيا وإيرلندا والنرويج وأربع دول تقع في منطقة الكاريبي بدولة فلسطين هي جامايكا وترينيداد وتوباغو وبربادوس وجزر الباهاما. لكن هذه القائمة لا تشمل معظم بلدان أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.

خريطة الدول الأوروبية التي تعترف بدولة فلسطين بتاريخ 28 ماي 2024.
ويذكر أنه في منتصف أفريل 2024، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار يهدف إلى جعل فلسطين دولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية.
فلسطين... دولة مراقب
أطلقت السلطة الفلسطينية التي أنشئت بموجب اتفاقات أوسلو (أنظر أعلاه) برئاسة ياسر عرفات، حملة دبلوماسية على مستوى المؤسسات الدولية. لكن عرفات توفي في العام 2004 قبل أن يشهد التصويت التاريخي في نوفمبر 2012، الذي حصل الفلسطينيون بموجبه على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة يحقّ لها، في غياب العضوية الكاملة وحق التصويت، الانضمام إلى وكالات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية.
وبناء على وضعهم الجديد، انضم الفلسطينيون إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2015، الأمر الذي سمح بفتح تحقيقات في العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية، ودانت الولايات المتحدة وإسرائيل هذا القرار.
وفتحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) الطريق بمنح الفلسطينيين عضوية كاملة في أكتوبر 2011. وانسحبت إسرائيل والولايات المتحدة من المنظمة في عام 2018، قبل أن تعود الأخيرة في عام 2023.

أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعترف بفلسطين
كانت السويد التي تقيم فيها جالية فلسطينية كبيرة، أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعترف بـ"دولة فلسطين" في العام 2014، بعد جمهورية التشيك والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا وقبرص قبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وأدى قرار ستوكهولم الذي اتخذ في وقت بدت فيه الجهود المبذولة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني في طريق مسدود تماما، إلى سنوات من العلاقات العاصفة مع إسرائيل.
بعد طوفان الأقصى.. انطلاقة أوروبية جديدة
في خطوة مشتركة، أعلنت إسبانيا وإيرلندا المنضويتان في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى النرويج سيرهما على خطى السويد، وانضمت إليها سلوفينيا في جوان 2024، في حين أن الدول الغربية ربطت على الدوام الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين بالتوصل إلى حل سلمي للنزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل.
قبل ذلك، في 22 مارس من السنة ذاتها، أصدرت الدول الأربع مع مالطا، بيانا قالت فيه إنها "مستعدة للاعتراف بدولة فلسطين" إذا "كانت الظروف مناسبة".
من جهته أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فيفري 2024، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "ليس من المحظورات" بالنسبة لفرنسا، لكن باريس تكرر أن مثل هذا القرار الأحادي يجب أن يتخذ "في الوقت المناسب"، وأن "يكون مفيدا ضمن استراتيجية شاملة لحل سياسي"، قبل أن يعلن ليل الخميس، 24 جويلية الجاري، أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل.
وتحدثت أستراليا بدورها في أفريل عن إمكان الاعتراف بدولة فلسطين.

14 دولة تلبي نداء فرنسا
وقّعت 15 دولة إعلانًا يُعرب عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، وذلك عقب المؤتمر الفرنسي السعودي الذي اختتم في نيويورك، والذي أعلن فيه وزير الخارجية الفرنسي اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين.
وحسب هذه الدول، تُعدّ هذه خطوةً أساسيةً على طريق حل الدولتين، ودعت جميع الدول التي لم تعترف بعدُ بالدولة الفلسطينية إلى الانضمام إلى هذه الدعوة، بحسب وكالة معا الفلسطينية.
وقال وزراء خارجية الدول الـ15، في بيان مشترك، إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعد "خطوة أساسية نحو تحقيق حل الدولتين"، ودعوا دولا أخرى إلى الانضمام إلى هذا التوجه.
ومن بين الموقعين على البيان وزراء خارجية دول لم تعترف بعد بدولة فلسطين، مثل أستراليا وكندا وفنلندا ونيوزيلندا والبرتغال وأندورا وسان مارينو.
كما وقع البيان وزراء خارجية دول سبق أن اتخذت هذه الخطوة، كأيسلندا وأيرلندا وإسبانيا.
وأفاد مصدر بريطاني أن رئيس الوزراء كير ستارمر أبلغ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مسبقًا بإعلانه المُزمع.
اعترافات مرتقبة في مؤتمر تقاطعه أمريكا
إعلان هذه الدول اعتزام الاعتراف بدولة فلسطين، تباينت حوله الأراء بين من رحّب وثمّن هذه الخطوة وبين من عبّر عن رفضه لها.
وقد رحّبت معظم الدول العربية والسلطة الفلسطينية بالبيان المشترك للـ15 دولة، داعين بقية الدول الى انتهاج المسار ذاته، في حين رفض الاحتلال والولايات المتحدة خطة فرنسا وبقية الدول، أمّا إيطاليا فترى أنّ الاعتراف بفلسطين الآن سيكون له نتائج عكسية.
وتستضيف الأمم المتحدة المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين برئاسة فرنسا والسعودية في نيويورك والذي من المنتظر أن تعلن خلاله الدول المذكورة الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في حين أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل مقاطعة الحدث واعتراضهما العلني على مخرجاته المرتقبة.

وكان من المقرر عقد هذا المؤتمر الدولي منتصف جوان الماضي بمشاركة قادة عالميين، لكن التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل آنذاك حال دون ذلك، وتم تأجيله إلى شهر سبتمبر، مع العلم أنّ الاجتماعات التحضيرية في نيويورك على مستوى وزراء الخارجية انعقدت يومي اليومين الماضيين 28 و29 جويلية، تمهيدا لقمة سبتمبر، فهل ينتهي هذا المؤتمر بـ'تحول دولي' في مواقف بعض العواصم الغربية من الدولة الفلسطينية؟
*أميرة عكرمي